قالوا أنه غادر الحياة.
أعتــــذر لأحبائي
لأني بكيت في وقت فرحهم
وضحكت في وقت آلامهم
و أطلقت صرخاتي في لحظة هدوئهم
و صمت في لحظة مشاركاتهم
و بقيت في لحظة رحيلهم
و رحلت في لحظة اجتماعاتهم ولقاءاتهم
و أعتذرت لهم في وقت حاجتهم
و بدون سبب تركتهم
أعتـــذر لقلبي
لأني أتعبته كثيرا في لحظات حبي
وجرّعته ألما في لحظة حزني
ونزعته من صدري وبدون تردد لأهبه لغيري
أعتــذر لأوراقي
لأني كتبت فيها وأحرقتها
ورسمت الطبيعة عليها
وبدون ألوان تركتها
وفي لحظة همومي وأحزاني لجأت إليها
وفي لحظة فرحي وراحتي أهملتها
وعندما عزمت الإعتكاف عن الكتابة
مزقتها وودعتها إلى الأبد
أعتــذر للقلم
لأني في معاناتي أتعبته
ولأني حمّلته الألم والأحزان وهو في بداية عهده
وعندما انتهى رميته
واستعنت بأخر مثله
أعتـــذر للواقع
لأني بكل قسوة رفضته
وأغمضت عيناي عنه في كل لحظاتي المرة
وشكلته بشبح أسود يتحداني بدون رحمة
ونسيت بأنه هو مدرستي التي جعلتني أكون حكيما في المواقف الصعبة
أعتـــذر للأحلام
لأني أطرق على ابوابها في كل ساعة
واجعلها تبحرني في كل مكان أريده
فهي من حققت كل أمنياتي دون تردد
أعتـــذر للأمل
حينما رحلت عنه وبدون إستئذان
ولازمت اليأس في محنتي ومكابرتي
رغم مرارتي وآلامي أقول بأني أسعد انسان
فلقد كانت سعادتي الوهمية تكويني في صمتي
و تعذبني في ليلي
دون احساس الاخرين بي
أعتـــذر للسعادة
لأني عشقت الحزن
وحملته شطرا من حياتي
وعشقت البكاء لأني انفس به عن الأمي
و عشقت قول الآه لأنها تطفئ حرقة أناملي
و عشقت الجراح لانها أصبحت قطعة أرقع بها ثغور احزاني
و عشقت الصمت في لحظة الألم لانها تحفظ لي كبريائي
أعتـــذر للبحر
لأني عشقته بجنون
و طعنته في خواطري بالمليون
و أضفت إليه الغدر في هدوئه
و وصفته بأنه جميل وهو في قمة جنونه
أعتــــــــذر لأمي
لأنها تألمت عند ولادتي
و سهرت على نشأتي ورعايتي
فتبكي على بكائي
و تسعد عندما تسمع ضحكاتي
و تسقم لسقمي
و تتعافى بمعافاتي
و صبرت وتحملت طيشي وأزعاجي
و تجاوزت عن أخطائي
و تذكرت حسناتي
و ها انا اتركها اليوم بكلمة اعـتـــــــــــــذار
أعـــــــــتذر للحياة
حينما اتهمتها بالقسوة
و للطيور والبلابل حينما قلت عنها خرساء
و للدموع حينما جمدتها بالعين
و لصندوق الذكريات الذي أخرجته بعد دفنه
أعتــــذر للورود
لأنني قطفتها عندما نثرت عبيرها
وعبثت فيها وتنشقتها
ثم رميتها حين فقدت نضارتها وعطرها
أعتـــــذر للقاء
لأني كتبت عن الرحيل والوداع
ولأني جردته من قاموسي
ولأني أصبحت خاضعا للقدر
فأمنت بالرحيل كثيرا
و بكيت لأجله كثيرا
و تناسيت كلمة الاجتماع واللقاء
كاتب مجهول.
..........
غدا تمرون بين القبور
باحثين عن قبري
فلن تجدوا
سوى قبر يعلوه بقايا قلب.
يا هذا الزمن كيف تذبل
في حياتي أصدق أوراق المحبة
و تموت في قلبي الأماني.
لم يبق لي غير جرحي مع عذابي.
ألم..وعذاب..
و صمت..و حرمان..
تذكر على الفور
أنك فعلت كل ما بيدك بينما فرط الآخرون
كنت وفيا مخلصا بينما قابلوك بالخيانة
و كنت عظيما بينما قتلك أحبابك في ظهرك
كنت كالبيت القديم
الذي يحوي العائلة لسنوات وسنوات
فيبقى البيت قويا صامدا يضمهم في جوفه
ويحفظهم في راحته
بينما تفضل كل عائلة أن ترحل إلى بيت جديد واسع
فمن كان يحب البيت يرحل ودمعه يترقرق في عينه
بينما من استهواه القصر الجديد تراه
يسابق عجلات السيارة حتى يصل
وفعلا يصل وينسى ذلك البيت الذي كان
نعم سيصبح اسما في الماضي وينساه وهكذا هي الدنيا.
تذكر يا صاحبي
أن العيون الجميلة تخون
وأن اصحاب الأيدي الدافئة يكذبون
وأن أولئك الذين يعطونك الكلام الجميل يخدعون.