الوطن في القلب
عبث
يحاول بعض الكتاب والجامعيين والسينمائيين الجزائريين أن يثبتوا، بعناد، أن الروائي الفرنسي الراحل (توفي سنة 1961) ألبير كامو، كاتب جزائري أصلا وفصلا وأن رواياته ومسرحياته هي جزء لا يتجزأ من التراث الجزائري. تنطلق ''جماعة كامو'' هذه من كون ألبير كامو حاصل على جائزة نوبل في الآداب (سنة 1957) ويعتبرون أن هذه الجائزة شرف كبير للجزائر وتراثها الثقافي ''المتعدد اللغات والأعراق''. غير أن نظرة كتاب فرنسا ومؤرخي آدابها وحتى نخبها السياسية تختلف تماما عن ''نظرة ''جماعة كامو'' الجزائريين. فالطبقة الفرنسية المثقفة والسياسية تشمئز، تتحرج، بل تحتقر طرح هذه الأقلية الجزائرية الناشزة. ففي رأيها: هل يُعقل أن تكون لجنة نوبل الموقرة قد أخطأت خطأ فادحا فمنحت لكامو جائزتها ''النبيلة'' على أساس أنه كاتب جزائري موهوب بلغت شهرته جزءا لا بأس به من أصقاع العالم؟ 99 بالمائة من كتاب فرنسا وجامعييها وسياسييها، قدماهم وجددهم يجيبون على هذا السؤال: ''كلا! إن لجنة نوبل لم تمنح لكامو جائزتها إلا لأنه شرف الأدب الفرنسي العريق، المنتمي لحضارة فرنسا وتراثها العالميين''. أين الجزائر في كل هذا؟ بالنسبة للفرنسيين: ''إنها مجرد صدفة.. مجرد صدفة إن كانت الجزائر مسقط رأس كامو!''. بعض الفرنسيين المتطرفين يذهبون إلى أبعد من هذا فيقولون إن جزائر ما قبل 1962 هي البلد الذي خلقته فرنسا من العدم (هكذا!) وأن الثقافة والتراث المنتميين إلى فترة الاستعمار (1830 ـ 1962) هما جزء لا يتجزأ من التراث الحضاري لفرنسا العظمى! في سنة 1971، وقف المرحوم كاتب ياسين، رغم معارضته للرئيس بومدين، أمام جامعة الجزائر العاصمة وصرخ: ''أمّموني (يعني اطبعوا كتبي بالجزائر)'' ، كانت الجزائر قد أمّمت بترولها وغازها وكانت دار سوي الباريسية قد أوقفت سحب كتب ياسين! وفي سنة ,1981 قدم محمد ديب إلى الجزائر وطلب (كنت حاضرا) أن تشتري الجزائر حقوق طبع كتبه من دار سوي لأن هذه الأخيرة رفضت إعادة طبعها كما رفضت رواياته الجديدة. للأسف، فإن الجزائر خيبت آمال كاتب ياسين ومحمد ديب! ولولا تعيين الصغير بن عمار مديرا للمؤسسة الوطنية للكتاب ما كنت قادرا على طبع ''نجمة'' لياسين و''ابن الفقير'' لمولود فرعون و''سيرة مولود معمري'' و''سأهبك غزالة'' لمالك حداد. لقد قمت أنا وبن عمار بشراء حقوقها. أما محمد ديب فقد حلف باليمين ألا يعود لطلب طبع كتبه بالجزائر. ومع ذلك فقد قمنا باستيراد كتبه من دار سندباد (الموالية للجزائر والعرب عموما) بـ2000 نسخة فاستطاع أن يواصل الكتابة وأن يعيش بحقوق تأليفه وإن كانت زهيدة. منذ مدة ليست طويلة، كتب مرزاق بقطاش في أحد مقالاته التي كان ينشرها بيومية ''الخبر'': ''في قضية الوطنية، أنا شوفيني''. بلى.. كل مثقفي العالم، ومنذ أن خلقت البشرية، شوفينيون في حب أوطانهم، مثلهم مثل مناصري الفريق الوطني لكرة القدم في مقابلتيه الأخيرتين مع مصر.
لقد كان ألبير كامو شوفينيا في حب وطنه فرنسا. أظهر ذلك في كل رواياته ومقالاته الصحفية وتصريحاته، فلم يفاجئ أحدا حين صرح سنة 1961: ''إن خُيرت بين العدالة وأمي، فإنني سأختار أمي!'' كانت العدالة هي استقلال الجزائر وكانت أمه هي فرنسا! فأي وضوح أكثـر من هذا؟ ألا يحق للفرنسيين أن يكونوا شوفينيين فيقولون في كل كتبهم وتصريحاتهم ومقالاتهم الصحفية إن كامو كاتب فرنسي ينتمي أصلا وفصلا إلى تراث فرنسا المجيد؟ بلى، هم محقون.
لقد كتب صمويل بيكات (جائزة نوبل لسنة 1969) 70 بالمائة من كتبه ومسرحياته بالفرنسية لكن الفرنسيين يعتبرونه.. إيرلنديا ويعتبرون أدبه إيرلنديا. فهلا فهمت ''جماعة كامو'' أن ألبير كامو كاتب فرنسي وأن أدبه ينتمي إلى التراث الفرنسي؟ أتمنى هذا من كل قلبي.
المصدر : جيلالي خلاّص
2009-12-2