عاشوراء: آل البيت في الفضاء السنيّ المغاربي
يتحدث بعض الشيعة على أنّ احتفالات عاشوراء عند السنّة هي ميراث منذ العهد الأموي أي أنه فرَح وسعادة بمقتل الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ حسب بعض مراجعهم الفقهية، بينما عندهم ـ أي الشيعة ـ ارتبطت بالحزن ولطم الخدود والبكاء ومنذ الاحتلال الأمريكي أضفى المزيد من الألم والفواجع على ذكرى كربلاء مع ما يزامنها سنوياً من تفجيرات دموية، هذا الفارق في العلاقة مع الذكرى التاريخية بين الشيعة والسّنة يؤكد على تداخل المجال السياسي والعقائدي في التاريخ الإسلامي، وكيف أن تأسيس الشعور الديني ارتبط بالحوادث وبالخلاف الكلامي والعقائدي ثم تحوّل في مرحلة لاحقة إلى تأويل النص القرآني بما يتناسب مع القناعات والمعتقدات المذهبية، ربط الفرح بمقتل الحسين بن علي غير حاضر في ثقافة المواطن السنيّ وخصوصاً في المغرب العربي ولعلّه يقوم ببعض الطقوس في هذا اليوم ولا يجد لها تفسيرا تاريخياً؛ مثل تحاشي كنس البيت طيلة النهار وأكل اللحم في بعض المناطق المحدودة ولعلّه من بقايا تأثيرات الشيعة الإسماعيلية الذين أقاموا الدولة الفاطمية في المغرب العربي في القرن العاشر الميلادي، لكن ما يجمع الشيعة والسنة في عاشوراء هو رمزية ثورة المظلوم على الظالم وانتصار أهل الحقّ، ولكن حين البحث عن الصورة التاريخية لهذا الرمز والاعتبار سوف يكون الخلاف، فالسّنة يلتزمون في العموم بانتصار موسى على فرعون، أما الشيعة فيشبّهون الأمويين بفرعون والحسين بموسى، وبالتالي هناك ديْن تاريخي في أعناقهم من أجل الثأر لمقتل الحسين ''العدل'' ومن هنا سيكون انتظار المهدي عزاءً وأملاً بقهر الظّلم. إن ما يؤجج الصراع اليوم في منطقة الشرق الأوسط هو التداخل بين المصالح السياسية والاستراتيجية ويكون حضور التاريخ والثقافة متلبساً بهذا الواقع، أما نحن في المغرب العربي فلنا جغرافيتنا التي قد تقلّل من الانخراط في التاريخ المذهبي وصراعاته، كما أننا لسنا مضطرّين للانخراط في صراع بين الإيرانيين وجيرانهم العرب إلا ما تسمح به التزامات عربية ـ عربية، وما أثير في المغرب منذ شهور من مَسائل التّشيع ومنع كتب الشيعة، فقد كان لذلك علاقة بمواقف سياسية وليس حفاظاً على سنّية المملكة، فسُنّيتنا في المغرب العربي تحترم آل البيت ولهم مكانة خاصّة ونقرّ ما قرّره المؤرخون من كون الحسن بن علي سلّم الخلافة وتنازل عنها بعدما بقي فيها ستّة أشهر لمعاوية بن أبي سفيان وعقد معه صلحاً، إن حضور آل البيت والأشراف في الذاكرة المغاربية تراث نستلهمه اليوم للتقليل من الصراع المذهبي، فالصلاة على آل البيت تتردد في الأدعية وأوراد الطرق الصوفية الشاذلية. كما أن الكتابة النسبية ''إثبات شجرة الشرف'' راجت في فترات تاريخية سواء لرغبة سياسية في الرجوع إلى الشرعية النّسبية للرسول وخصوصاً في المغرب الأقصى أو تبركاً بآل البيت والحفاظ على نصيبهم من بيت المال ومن هنا الفوضى في السّلسلة النسبية بين كتاب وآخر والخلط الغريب بين الانتساب إلى الحسن أو الحسين والخلاف حول إثبات الشرف من الأم الذي تحدث عنه الونشريسي والسنوسي، لقد اعتبر التراث السنّي المغاربي احترام آل البيت والصلاة عليهم من الإسلام وهذا ما يجعلنا اليوم لا نجد ضرورة في الانخراط التاريخي في صراعات ماضية أو الانخراط في صراع سياسي واستراتيجي في منطقة الشرق يحضر فيها التاريخ ليزيد من الفجوة والخلاف، في حين أن الصراع الحقيقي هو من أجل تحرير القدس وانتقال مجتمعاتنا إلى مصاف الدّول المتقدمة ومواجهة حالة ''لا أمن الإنسان العربي'' مما يهدده من أخطار البيئة والمياه والحروب.
المصدر : بومدين بوزيد
2009-12-28